الخميس، 20 ديسمبر 2018

التجربة الإنسانية.. تراكم.. لا اختراع

همام دوبا | لا يمكننا الحكم على شعبٍ على وجه العموم بأنّه شعبٌ فاشل، أو شعبٌ منحط! أو أيّاً كانت من الصفات القبيحة التي نطلقها اليوم على شعوب المنطقة العربية. لكن من المؤكّد أنّه يمكننا الحكم على تجربةٍ أو مرحلةٍ تمرّ فيها هذه المجتمعات على وجه الخصوص.
ومن يقرأ التاريخ يدرك أن المجتمعات في تقلّبٍ دائم، بيد أنّ أوّل الحضارات البشرية قامت على هذه الجغرافيا التي نسكنها اليوم، مزدهرة ومزهرة بكلّ جوانبها، لكن ذلك لم يمنعِ انهيارها ونشوء مجتمعاتٍ جديدة بنت حضاراتها مِن حجارة مَن سبقها وأضافت عليها ما أضافت، فكان بناءً تراكمياً لمسيرة الإنسان بوصفها مسيرة ممتدّة إلى اليوم.
ومن ينظر إلى أوروبا اليوم مثلاً، عليه أن يقرأ أمسَها الدمويّ المنحط اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً؛ إذْ بقيتْ تتخبّط في هذا المستنقع إلى أن أرادت عيشَ تجربةٍ جديدةٍ مستفيدةً من تجارب حضاراتٍ عديدة، لتضعها في "الخلّاط" وتضيف خصوصيّة مجتمعاتها وتجاربه، فأنتجت حضارةً مستقلّةً وثورةً حقيقيةً على الصعيد الاجتماعي أوّلًا، ثم السياسي والاقتصادي والنقابي.
ومن هذا نكرِّرُ قائلين: إنّ تطبيق مفاهيم الغرب وقوالبه اليوم في مجتمعاتنا ليس سوى فشل جديد نصنعه بأيدينا، فذلك المفهوم _سياسيّ كان أم اجتماعيّ_ هو نتاج تلك التجربة بكلّ ما فيها من خصوصية المجتمع الذي أنتجها.

من المهم إذاً، أن نطّلع على التجارب وندرسها، لكن من دون أن نهمل دراسة مجتمعنا بذاته وبوصفه القاعدة التي تنتج التجارب، وبالتالي المفاهيم والحضارات.
فلا يمكن أن نكون أوروبا، ولا يمكن لأوروبا أن تكوننا، هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون في وضع أكثر تقدّماً منها، بل إنَّ إمكانية ذلك نظراً لجغرافيتنا ومواردنا وإرثنا الحضاري كبيرة جداً.
  

إلّا أنّ العائق الأكبر أمامنا اليوم، هو أنّه في تاريخنا الحديث والمعاصر لم تكن هناك أيّة محاولة جادّة لقراءة المجتمعات العربية، أو لدراسة التاريخ العربيّ، فإن كان للتاريخ فائدةً فهي دراسته، وتتبّع تراكماته في وعينا وخلق أنظمة من روح هذا الوعي، أنظمةٌ قادرةٌ على فهمه والتناغم معه، عندها فقط يمكن أن نستقرّ على سكّة المستقبل الصحيحة وأن نلحق بالأمم التي سبقتنا، فحتّى يومنا هذا لم ننتج أيَّ مفهومٍ سياسيّ أو اقتصاديّ أو قانونيّ وحدنا، وإنما كانت كلُّ صيغنا مستوردةً نحاول تطبيقها بعماهٍ مطلق في غير السياق الذي خُلِقت به وله ومن أجله.
 
 
راديو ماراتوس

هناك تعليق واحد:

في الذكرى الثانية لولادة الصوت: نصمت.. حتّى إشعارٍ آخر!

وكما بدأنا بثّنا في مثل هذا اليوم قبل عامين مع هذا النشيد الذي به نعتزّ ونفتخر، نغلق به عند منتصف ليل اليوم، حيث سيتوقّف بثّنا الإذاعي وم...