الخميس، 31 يناير 2019

فراس السوّاح.. لا سقف فوق العقل

Související obrázek
المفكّر السوري والباحث في علم الأديان والميثولوجيا الدكتور فراس السوّاح


همام دوبا | كنّا قد تكلّمنا في مقالٍ سابق تحت عنوان "المتأسلمون.. العدوّ الأول للإسلام" عن أهمّية قراءة التاريخ العربي عموماً، والإسلامي خصوصاً، قراءةً نقديّةً برؤيةٍ حداثيّةٍ تتناسب والقرن الأول بعد الألفية الثانية.. لا القرن السادس الميلادي، وهذا ما كان قد ملّ أدباء ومثقفون كثر من الدعوة إليه، أبرزهم القامة السورية العظيمة أدونيس، والمفكّر السوري والباحث في علم الأديان والميثولوجيا فراس السوّاح، لكن الأخير كان قد دخل في خصومةٍ مع الكاميرا والإعلام منذ وقتٍ طويل، على عكس أدونيس النشط في ظهوراته على الإعلام.
مؤخراً برز اسم السوّاح مجدداً على وسائل الإعلام بشقيه التقليدي والاجتماعي الافتراضي، وذلك بعد منشورٍ للسوّاح على الموقع الأزرق، لم يتجاوز السطرين، عبّر فيه عن عدم قبوله لصداقة أيّة فتاة محجّبة، مبرراً ذلك بأنّ "حجاب الرأس هو حجاب للعقل", وبعد أيام دحض السوّاح شائعة أن الكلام ليس له، بل وأكّده عبر لقاءٍ مقتضب بـ "أن الحجاب ظاهرة غير حضارية، وأنه ظاهرة تخلّف، ويجب أن يختفي"، ومع هذا التصريح وجد الشارع السوري حديثاً آخر ليناقش به إضافةً إلى أحاديثه اليومية ومعاناته مع الأزمات المتلاحقة في الكهرباء والغاز والبطاقات "الذكيّة" وحليب الأطفال.. وبرغم أن قوتَ الناس اليومي أصبح مهدداً بشكلٍ غير مسبوق واحتماليّ التأمين!، 
أتى السوّاح لينسيهم ذلك، ويشغلهم في البحث عن محجّبةٍ عالمة أو أُخرى مثقّفة لطرحها كمثالٍ يحاجج ما طرحه السوّاح، في حين لم يتوانَ أصحاب الرؤية المشابهة أو المقاربة للدكتور فراس في طرح رؤيتهم أيضاً، فبدأوا بمقارناتٍ ودراساتٍ لارتفاعِ نسبةِ غطاءِ الرأس في المجتمع السوري، بين أوساط الفتيات في القرن الماضي وأقرانهم من فتيات اليوم، وقد تطرّق كِلا الطرفين بشكلٍ أساسيّ إلى الحريّة الشخصيّة، فرأى الفريق الثاني أن المنشور والتصريح لم يتعدّوا كونهم رأياً شخصياً من الممكن طرحه، بينما يرى الطرف الأول أن الحجاب هو أيضاً حرّية شخصية وأنّ كلام السوّاح يصبّ في خانة "الكلام العنصري"، فيحمل من التهجّم ما يحمل، وأن لا ارتباط بين الحجاب والعقل.
بعيداً عن الاجابتَين، دعونا نناقش بموضوعية، هل كان كلام السوّاح عنصريّاً؟ أم أنّه حرية شخصية؟
إن أكثرَ ما أثارَ استغرابيَ هو تناقض من هاجموا التصريحات و "عنصروها"، فهم بغالبيتهم يمارسون عنصريتهم على الغير _الثياب السبور_ فأن تضع الناس في خانةِ الفسوق والفجور والخروج عن الذمّة لمجرّد عدم توافقهم مع مفهومك للاحتشام والتديّن، هو أمر شديد العنصرية، أمّا عن أنّ الحجاب هو قناعةٌ ورأيٌ شخصي فكنّا سنتفق على ذلك لو لم نكن نعاصر ذات المجتمع الذي يفرض الحجاب قسراً على فتياتٍ لم يتجاوزوا  سنّ الطفولة بعد, فيدخلن في أعوامهن العشر في صندوقٍ مغلق لا يعرفن عنه شيئاً، حتّى أنّه في كثير من الحالات يُحرّم عليهن البحث عن السبب، أو حتّى السؤال، حيث يكتفي ولاة الأمر بعبارة _هيك الله بدّو، مشان تفوتي عالجنّة مو عالنار_ وهذا بالطبع ما أنشأ جيلاً محجّباً ومحجوباً دون قناعته بذلك، حيث نرى اليوم نسبةً كبيرةً من المحجّبات يصرّحن ويتكلّمن أنهنّ غير مقتنعاتٍ وأنّه قد فُرِض عليهن فرضاً، فأصبح حجابهنّ مرتبطٌ برضى الوالدين والمجتمع لا أكثر، وكل واحد منا يعرف فتياتٍ قد أطلقن لشعرهنّ حريته عندما سمحت لهنّ الظروف، فعن أيّ رأيٍ شخصيٍّ يتكلّمون؟
  

أعتقد أنّ السوّاح قد استند في تصريحاته ومنشوره على هذا الصندوق الذي توضع فيه الفتاة منذ نعومة أظفارها، فيبدأ عندها الخوف من المحيط بأكمله، مما يحجبُ عقلَها عن التجاربِ والحياة بأكملها، وعندما يشعرها المجتمع أنّها موضع شهوةٍ مستمرّة، وعليها فقط أن تفكّر كيف تخفي أنوثتها، دون أيّة قناعةٍ بذلك في أغلب الأحيان، وعندما تسأل يأتيها جواب معلّق على الغد فـ "غداً ستفهم، وغداً ستعرف، وغداً ستشكر" ولا يأتي هذا الغد، وعندما يأتي وتحاول هي أن تتيقّن وتعتمد ما فرضه أهلها عليها كرأي شخصيٍ، ستشكر. أما اذا توصّلت لرأيٍ مخالف فعندها لا يحمل لها هذا "الغد" سوى غضب يصل حدّ الضرب أحياناً، وحدود أبشع في حالاتٍ أخرى.
 

لا يمكننا هنا أن نناقش هل الحجاب فرض أم لا، وهل هو موروث ديني أم أنه فرض اجتماعي لا أكثر، كما أنه ليس من دورنا هنا أن نناقش فيما كان صحيحاً أم خاطئ، فذلك برأيي يندرج ضمن الحريات الشخصية، لكن بشرط أن يكون حرّية شخصية للفرد بكل ماتعنيه الحريّة من معنى، وأن تستطيع الأنثى وضعه بملئ إرادتها، وكذلك نزعه بملئ إرادتها أيضاً.
كثيرون أيّدوا فراس السوّاح، لكنهم انتقدوا طريقته ومباشرته، ولكنّه لربّما تقصّد أن يتكلّم بهذه الطريقة كي يثير هذا الجدل الذي تمّت إثارته، فالكثيرون يتكلّمون في الموضوع منذ زمن طويل دون أن يحدثوا خضّة في المجتمع، فالصدمات تدفعنا للتفكير في كثيرٍ من الأحيان، وقد غامر السوّاح باسمه وجمهوره كي يثير هذه الدوّامة، وكي تبدأ كل الأطراف بالبحث والتقصّي والدفاع عن أفكارها بطرق علميّة وموثّقة، كما فعل عباس النوري في موضوع "صلاح الدين الأيوبي" ومن قبله الكاتب المصري يوسف زيدان.

ربّما تكمن المشكلة اليوم في المجتمع السوري في غياب أدوات الحوار والنقاش، وهذا يردّ لقلّة الهوامش المتاحة إعلامياً وعلنياً ومجتمعياً في كثيرٍ من المواضيع والملفّات، وكذا لقلّة الاجتماع الذي تحدّثنا عنه في مقالنا السابق (عن الوجدان الجماعي في زمن "الهواتف الذكيّة)، وهنا يتحتّم علينا أن نصوغ طريقتنا في تبادل الأفكار لا تبادل الاتهامات، وأن يُتاح للمثقّفين قول كلمتهم المؤثّرة بهدوء، من دون أن يُجبَروا على صنع تسونامي كي يبدأ الجدل والتفكير.
 
  
راديو ماراتوس 
من فقرة "سكانر"، وهي تدوينة تُنشر كل خميس على موقع وصفحة راديو ماراتوس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في الذكرى الثانية لولادة الصوت: نصمت.. حتّى إشعارٍ آخر!

وكما بدأنا بثّنا في مثل هذا اليوم قبل عامين مع هذا النشيد الذي به نعتزّ ونفتخر، نغلق به عند منتصف ليل اليوم، حيث سيتوقّف بثّنا الإذاعي وم...